ابو فوزي الخياط ( رحمه الله)
كتبهاعمر المدني ، في 14 كانون الثاني 2013 الساعة: 03:24 ص
ابو فوزي الخياط
رحمه الله
عندما يحيط بك الحاضر بكل موجوداته الثقيلة من بشر مغلفين بالصمت وتعاملات بارده وود مصطنع وسلالم وصوليه تستند على ظهور الاخرين ولقف لقمة الفقير ليزداد كل ذي كرش …..عندها فقط نعود لنتكىء على بستان الذاكرة القديمة كي نبقى احياء في صحراء هذا العالم الموغل بالجنون والسعار المكبوت.
من الصفحات المعتقله في زنزانة ذاكرتي ( ابو فوزي الخياط) رحمه الله.
ابو فوزي صفحة من كتاب ذاكرتنا الجميلة خططنا على سطوره باناملنا لوحات الطفولة الاولى ورسومات الصبا بعدها.
في تلك الدكانة في الحي الغربي قضينا امسيات نرمقه حانيا ظهره فوق تلك الماكينة ذات العجله الحديدية الكبيرة وتلك الابرة الغاطسة في ثقبها دون كلل او ملل….. ننظر الى انامله وهي تقبض على القماش بمهارة لندرك انه لم تكن تلك غرزات خيط في ثوب سيبلى فحسب بل هي تعبيد مضني لطريق عمر طويل مملح بالتعب محلى بالكد والجد.
اذكره رحمه الله وهو ينزل تلك المرتبانات المليئه بحلو الحبال عن تلك الطاولة الخشبية لبضبط قياسات ذاك المزنوك المقلم لاحد الاجداد الذين اعتقد انهم لحقوا بركب الذكرى ايضا. وبتلك القطعة البيضاء الاقرب لصابونة مفتاحين كان يرسم خطوطه المتاطعه كاشارات ماسونية امام عجب ودهشة الجميع. يحمل اشارته ومتر القياس يطوق عنقه ويعود الى ماكينته لينفذ خطته في معركته الجديده.
اذكره كيف كان يستعين باحدنا ان يبيع احد الشارين لوح صابون او لفة خريس اما البزر الابيض والاسود ذي النكهة الفريده فكانت من اختصاصه فقط.
اذكر في تلك الحقبه تواجد بعض الشباب الاكبر منا سنا لاخذ بتسات لقمصان من خلفها بيضاء وقبة عريضة حتى تكاد الازرة تتحرر من عرواتها..بناطيل شارلستون تحبر على التوسع اكثر واكثر امام تردد ابو فوزي واصرار من ذاك الشاب.
لا انسى تلك الوجوه الغريبه التي كانت تحضر الى دكانته من كل انحاء الكوره متأبطين قميصا او بنطالا او مزنوكا للخياطه او التقييف واجيانا للاستشاره.
كان الجنود المعسكرين بالقبيطي وحضورهم المتكرر ببدلات فوتيك للتقييف او التفصيل يتخلله احيانا حضور ضابط فنتحلق حوله وحول نجمته اللامعه على كتفه بنوع من التمني البعيد.
ولم يكن يخلو المشهد من حضور فددائية من عراق القعقاع على بغال ضخمة وعندها نتخلص من ستار خجلنا وسد خوفنا وننظر في وجوههم لنرى ان كانوا بشرا ام لا لسمعتهم الواسعة في اكل الافاعي والسحالي.
كيف لي ان انسى ببسي ثلاجته المرمل المدفون في ثلج فريزرها باتقان وكيف كان يحتفظ بتامين على الزجاجة الفارغة او دونه بعد اخذ ضمانات بشربها في الدكانة على ذاك الكرسي المصنوع من كراتين البيض المضغوطه…واحيانا نغافله ونصطحبها معنا الى ابعد ما هو مسموح ولكنه كان كعادته يصفح عنّا. وعند عدم التوصل الى تسويه كان رحمه الله يعمد الى سكبها في كيس بلاستيكي
كان رحمه الله دمث الخلق طيب المعشر دافىء المحضر ….كان حنونا معنا وابا لنا…..كان يمتص كل شقاوتنا الطفوليه ومشاكساتنا الصباويه. …واسع الصدر….صديقا للكل …ودودا للجميع…تعلمنا منه دون ان ندري معنى الادب والخلق الحسن……تعلمنا دفء اللسان وقيمة الصمت في وقت كانت الثرثرة عنوان للاحاديث.
حفر في صخر العمر القاسي نفق الوصول الى ميناء النور فكان عصاميا ارتكز على قوائمه بصلابة واعتمد على ساعديه حتى اخر نفس من فارس ترجل ورحل الى الله
كان باسقا اسظلينا بمسرح ظله طويلا وتحملنا كثيرا…..قمثله قلما ولدت النساء.
رحل ابو فوزي رحمه الله بعدما اعلن العمر استسلامه للقدر رحل ولكنه أبى الا ان يغرس خلفه شجيرات كبرت لتعلن هي فيما بعد انها على عهده ماضون فحاؤوا ابناؤه مضربا للمثل بالاخلاق والجد والعصامية فبارك الله بهم رجالا رجالا اصدقاء وجيرانا اوفياء…
تمت
عمر المدني
صباح الاثنين 14/1/2013
الساعه الان تمام 2:15صباحا
محمد الكساسبه قال:
يناير 16th, 2013 at 4:38 م
انا شخصيا احيانا بستخدم مجهول ليس هما طبعا في امور اخرى
فعادي يا ابو اسامه
كاني اذكر هذا الرجل
شكر لابن البلد على الاشياء الصغيره التي اوردها مثل وضع الخيط بالابره والمزيته وقاعها يعني اصغر الامور موردها
شكر لابو اسامه
ولكني اخالفك ابو اسامه لانه فيه ناس ما بتحب تظهر وهم احرار
شكر لاستاذ عمر على مجهوده المتواصل عن الماضي
محمد بني ياسين قال:
يناير 16th, 2013 at 8:19 م
اذكر ابو شكري الدومي بجنب الفرن كان خيطاط لكن الان الخياطين بطل لهم سوق لان كل شي جاهز والمزانيك راحت والدشاديش جاهزه
يعني الذهاب للخياط قل عن اول
ابن البلد قال:
يناير 16th, 2013 at 11:16 م
لقد اطلعت في وقت مبكر من عمري على الدقة والإعجاز في صنع الساعة ومنها ساعة جوفيال القديمة أو ساعة المنبه , ثم بعدها على الكربوريتر في سيارة خالد الفارس مرسيدس 180 أثناء محاولات إصلاحها عندما كانت تقف باستمرار أمام مخزن عايش العقلة , إلا انني ذهلت عندما اطلعت في وقت لاحق على بعض الأجزاء الميكانيكية لماكينة الخياطة , سواء في ماكينة دار جدّي أو ماكينة أبو فوزي , ولا أبالغ إن قلت لكم أنه لم يدهشني حتى الآن أكثر من الدقة التي تمت بها صناعة هذه الماكنة , فتمرير درزة خيط من الماسورة عبر القماش ومن خلال ثقب وسط مسننات ليلتقطها خيط آخر من المكّوك ولتكون الدرزتان معا” ما يسمى بالقٌطبة المتشابكة, هذه بنظري المتواضع قد تكون أصعب من إطلاق صاروخ إلى الفضاء , وأتحدث هنا على وجه التحديد عن المرة الأولى التي تم فيها إختراع هذه الآلة في أواخر القرن الثامن عشر , بالفعل كنت ولا أزال مبهورا” بها , وفي ما يخص المرحوم أبو فوزي , كان الإنبهار أكثر إذا ما أخذنا فارق العمر بين ما كنت أشاهده أيام زمان وبين الوقت الحالي بكل ما يحويه من تقنية تفوق أحيانا” حدود الخيال.
إخوتي الأعزاء , هذه مدونة تراثية يطلع عليها الآلاف , ولا يمكن بكلمات بسيطة أن أشرح لكم حجم العمل والجهد الذي يبذله صاحبها بإخراجها بهذا الرونق , ولا حتى بعض المعلقين وعلى رأسهم أخي الحبيب محمد المحمود الشريدة , ومع ذلك فهو من غير الممكن الإلمام بكل الأحداث , فأرجو ممن يعرف –وبالطبع هم كثر- أية معلومات تخص صاحب المقال أن يعرضها علينا , لا تعلمون كم سررت ممن ذكرني بما كان يقوم به المرحوم من تنظيف لزجاجة البيبسي قبل بيعها , هكذا نريد معلومات ومعلومات , وكما قال أخ آخر من المعلقين , ما دام الشخص قد أراد التعليق فليكتب سطرين مثلا” يعرض فيهما ما كان يذكره أو على الأقل ما كان قد سمع عنه , فتكرار كلمة شكرا” على هذا المجهود فقط هكذا بدون أي إضافات وهي تأتي من مجهول , صدقوني أنها عبارة عن زيادة في عدد التعليقات ولا تفيد المقال لا من قريب ولا من بعيد , وليسامحني من يسمع هذا الكلام مني لأول مرة لانها الحقيقة .
طاب مساؤكم ودمتم بحفظ الله.
ابن البلد قال:
يناير 16th, 2013 at 11:25 م
بسبب الخبرة التي تكدست عنده لسنين , أصبح المرحوم أبو فوزي خبيرا” بماكينات الخياطة , كانت خيوط ( المكّوك ) السفلي تتشابك مع تلك الآتية من ماسورة الخياطة أحيانا” , وهنا أذكره كيف كان يحرر بيده مثبت الرأس في الجهة اليسرى من السطح الذي يتكيء عليه , ثم يقوم باستخراج قاعدة المكّوك وفك التشابك . كان البعض يحضر إليه ماكيناتهم الخاصة لأخذ مشورته فلعله يصلحها بدلا” من إرسالها إلى إربد وبكل ما يحمله مشوار إربد وقتها من تعب وإرهاق , كان يقوم بالفعل بإصلاح بعضها , وأذكر أن قطعة” كانت بالغالب تتعطل إسمها ( هلالة) ولا أدري ما هي إلا أنني لا زلت أحفظ إسمها وهي تشبه الهلال , فكان يشتريها من اربد لحساب صاحبها .
ورحم الله أيام زمان
مصعب مقدادي قال:
يناير 16th, 2013 at 11:45 م
اولا اود ان اشكر الكاتب على هذه المقاله والاخوة المعلقين ابو اسامه وابن البلد
ولكن والله يا استاذ ابن البلد لااحفظ معلومات عن هذا الرجل لاني لم اعاصره او اني لااعرفه ولكني اقرا المقال والتعليقات فتتكون الفكره بالتصور عن الموضوع بالرغم اني لااكون اعرفه او شاهدتة
وشكر للجميع
غريب قال:
يناير 17th, 2013 at 2:26 ص
بعد قراءه المقال والتعليقات التي تدمي القلب لما فيها من تحريك وتهييج للمشاعر التي اصبحت تواقه لسماع السيره الخالده لكل اولائك الابطال الذين نقف لهم وقفه احترام واجلال لسيرتهم الزكيه والذين رحلوا عن هذه الدنيا الفانيه دون رجعه
(ايتها اللحظات العذبه الحافله بعبث الشباب لكم طال بك البعاد)
اعتقد ان الاخوه في تعليقاتهم لم يتركوا لنا مجال لان نذكر اي شي جديد عن المرحوم باذن الله ابو فوزي ولكن سوف احاول ان اجتهد واتذكر الشي البسيط قدر الامكان وارجو مسامحتي لان الذي اعرفه ذكروه الاخوه من قبل.
عندما كنا ندخل الى دكان ابو فوزي كانت هناك ثلاجه بيضاء الى اليسار من المدخل واعتقد انه كان مربوطا بها مفتاح البيبسي وهو مفتاح علب كعلب السردين والتونا وغيرها والى اليمين كانت هناك طاوله من خشب وفيها جرار كان يضع فيه النقود بداخل علبه حلاوه لونها ابيض وفوق الطاوله البسكويت والحلو وما الى ذلك وكانت ماكينه الخياطه بجانب الثلاجه اي من الجهه اليسرى لمدخل الدكان واذكر قميصه او من قمصانه قميص لونه اخضر فاتح او زيتي وحتى انني اتذكر انه كان ينتعل نعالا اسود من البلاستيك وان لم اكن قد اختلطت علي الامور فانني اعتقد ان اصبع قدمه كان احيانا فوق اصبعه الكبير
ابن البلد قال:
يناير 17th, 2013 at 1:19 م
أود أن أؤكد بأن لدي الكثير مما أذكره عن المرحوم أبو فوزي (عبدالله الجابر) , ولكن خشيتي من التعرض لأموره الشخصية الخاصة هو ما يدفعني إلى التريث وانتقاء ما يمكن أن يكون مقبولا” للنشر , وأرجو أن يفهم المتابعون المغزى الدقيق لهذا الكلام…
دمتم بحفظ الله
كان المرحوم دائم الإهتمام بباب المخزن السحّاب , وكان يحتفظ بعلبة شحمة حرارية لوضعها في مجراه بصورة متكررة لدرجة أن الباب كان ينزلق بسهولة ويستطيع بذلك طفل صغير غلقه وفتحه , وقد كانت المجموعة الدائمة المتواجدة هناك على علم بوجود الشحمة على طرف الباب , فكانوا دائمي الحذر منها , إلا أن آخر ربما يكون قد نسي أو أنه يأتي للمرة الأولى غالبا” ما كان يقع في الفخ أثناء اتكائه على حافة الباب دون أن ينتبه للشحمة , حدث ذلك أكثر من مرة. كان المرحوم يحتفظ ب (مطرق حديد 6 ملم ) ثني من أحد رؤوسه لتنزيل الباب أثناء عملية الإغلاق.وكانت تجرى عمليات الصيانة من قبل الحداد بمجرد ظهور أي عائق , وقبل أن يترك المحل بفترة قصيرة شاءت الظروف أن يقوم بتغيير الباب بالكامل . وأنا أتحدث عن ذلك يقطر قلبي دما” حين أتذكر تلك الفترة , فقد ارتبطت أيضا” بالمرحومين عمي المختار حسن العلي(ابو علي) وخالتي والذي كان يستأجر المرحوم أبو فوزي مخزنهم , وفي فترة كنت أظن أن الزمن قد توقف , فقد رحل الكثيرون من الأحبة وهذا تفسير آخر لسبب تعلقنا بالماضي واعتباره جميلا” وقد أثار الأخ ( غريب ) هذه النقطة في أحد تعليقاته السابقة.
ورحم الله أيام زمان
محمد بني عيسى قال:
يناير 17th, 2013 at 3:06 م
رحم الله ابو فوزي الخياط كان مثلا لللاخلاق الطيبه وكان مشهورا بالمزانيك والدشاديش
وله اولاد مثله بالاخلاق وفقهم الله
الى ابن البلد
ان لم تخني الذاكرة فان المرحوم ابو فوزي قد احضر معه الماكينة من مسقط راسه ( بيسان) حيث كان بعمل هناك قبل القدوم الى الاردن مع من نزح من هناك ابان الاحتلال الصهيوني لفلسطين
وكان المرحوم وهو يخيط يتحفنا ببعض القصص وهو في بيسان ورفاقه في الدراسة الذين قدموا ونزحوا الى الاردن نسيت نلك الاسماء
مجرد بعض المعلومات التي ربما لم تشر اليها
مجهول قال:
يناير 17th, 2013 at 3:37 م
الى ابن البلد
ان لم تخني الذاكرة فان المرحوم ابو فوزي قد احضر معه الماكينة من مسقط راسه ( بيسان) حيث كان بعمل هناك قبل القدوم الى الاردن مع من نزح من هناك ابان الاحتلال الصهيوني لفلسطين
وكان المرحوم وهو يخيط يتحفنا ببعض القصص وهو في بيسان ورفاقه في الدراسة الذين قدموا ونزحوا الى الاردن نسيت نلك الاسماء
مجرد بعض المعلومات التي ربما لم تشر اليها
كانت في دكانة ابو فوزي لمبه مدليه
وكان نصبات دكانته خشب مش حديد
إلى الأخ مجهول الذي ذكرنا بقصص بيسان , والله عمرك أطول من عمري كما يقولون , قصص بيسان وغيرها مدرجة على جدول أعمالي وكنت أنوي هذه الليلة بالذات أن أكتب عنها وعن رفاق المرحوم (أبو فوزي)بالصف , فأحاول أن أجعل فاصل زمني بين كل مقالة وأخرى منعا” للرتابة والملل , ولكن بكل صدق أثلجت صدري بهذه المشاركة الرائعة لك وأرجو من الجميع أن يحذو حذوك , كما لو أنك أشرت إلى إسمك على الأقل بإسم مستعار لسهلت مخاطبتك ..هذا مجرد اقتراح , تحياتي لك
الحاره التحتا قال:
يناير 17th, 2013 at 7:25 م
مهما اكلت من بز اسود لايمكن ان يكون مثل بزر ابو فوزي الله يرحمه وكان يحط لنا بقرشين وشلن
رحمت الله عليه
اخواني الاعزاء اذا اردت ان احذف او اضيف شيئا على تعليقي ما هي الطريقه لذلك ولكم جزيل الشكر
قصص بيسان
===========
من أكثر اللحظات متعة كانت تلك التي نجلس فيها في دكانتي أبو مصطفى وأبو فوزي بالتناوب لنستمع إلى القصص والحكايات , كانت الدكاكين وقتها بمثابة أندية اجتماعية علاوة على كونها أمكنة للتسوق , من المألوف أن تجد الناس يتجمعون أمام هذه البقالة أو تلك , كان من المألوف أيضا” جلوسهم في الداخل صغارا” وكبارا” , كان الكبار يتقبلون وجود الصغار معهم وكانوا يناقشونهم في القضايا العامة حتى أنهم كانوا يطرحون مشاكلهم أمامنا.
من قصص المرحوم أبو فوزي لنا عن أيام بيسان مثلا” , أنه كان في نفس الصف بل في نفس المقعد مع الدكتور المعروف في اربد حاليا” ( محمد سعيد الحلبوني ) وقد أخبرنا بأن والده كان رئيسا” لبلدية بيسان وكان ميسور الحال , أما عن الدكتور نفسه فكان الأول في الصف .
نال هذا الطبيب شهرة واسعة في دير أبي سعيد , وأكاد أجزم أن سبب هذه الشهرة هو المرحوم أبو فوزي والذي كان رفيقه في الصف , ورويت على مر العقود قصص عن براعته في معالجة الأطفال على وجه الخصوص , وكانت عائلات بعينها في دير أبي سعيد تتغنى بهذه المهارة والقدرة اللتين يتمتع بهما وقد درجت على ألسنتنا وقتها إحدى العبارات الشهيرة والتي أجزم أن كل جيلي بالحارة التحتى يذكرها وهي ” بمجرد ما توخذ حبّة دوا من عند الحلبوني , كانها شعرة وسلّيتها من عجينة” في إشارة لزوال المرض.
في عام 2007م أصبت بالتهاب شديد في الحلق وكنت وقتها أسكن في إربد قبل أن أعود بعدها وأستقر في دير أبي سعيد , وعندما كنت أسير في شارع عمر بن الخطاب القديم في إربد شاهدت عيادة الحلبوني القديمة التي تقع على الشارع الرئيسي , فدارت في نفسي قصص بيسان والماضي , ودمعت عيناي عندما قررت أن أدخلها لأتعالج عنده , وأنا داخل تفحصت بعناية الدرج القديم وقلت في نفسي كم من واحد تخطاه ؟ وكم من طفل جيء به إلى هذا المكان مع أهله وهم يضعون ثقتهم بعد الله بهذا النطاسي الذي جابت سمعته الآفاق , قلت كم من مرة مر من هنا المرحوم فلاح وأبو فوزي وأقاربي وجيراني ومعظمهم توفاه الله , وأنا جالس بالردهة , استغرب رجل يحمل طفلا” من وجودي وقال بأن كل ما يعرفه أن هذا الطبيب هو متخصص بالأطفال , فقلت له بل هو طبيب عام , وحتى لو كان كذلك أردت يومها أن أرى الدكتور الحلبوني مهما كان الثمن , وبالفعل وبعد قليل دخلت إليه وقام بفحصي وأخبرني أن معي إلتهابا” شديدا” بالحلق ولكنه فيروسي فلا تنفع معه المضادات الحيوية , وأعطاني ثلاثة من العلاجات والتي لا أزال أذكرها ولا أزال كذلك أحتفظ بتلك الوصفة الغالية , وأصدقكم القول أنه كما قال صاحبنا ” شعرة وسليتها من عجينة ” فبعد مرور يوم واحد على تناول ذلك العلاج اختفت آثار الألم ثم مالبث أن زال كل الإلتهاب وأنا لا أصدق نفسي وكل ذلك بحمد الله ومنته وكرمه.
وبالعودة إلى المرحوم أبو فوزي , فبعد أن ترك المدرسة وهو في المرحلة الإبتدائية تفرغ لتعلم مهنة الخياطة حيث أتقنها ومارسها هناك , وقال لنا ذات مرة أنه أثناء النكبة الأولى عام 1948م شاهد إحدى سيارات اليهود تجوب الحارات وتبحث عن بعض المقتنيات كالاسلحة وغيرها وقال لي يومها بأنه شاهد من ضمن ما شاهده بعضا” من ماكينات الخياطة في السيارة , ويبدو أن الجنود وقتها قد عمي بصرهم ولم ينتبهوا إلى ماكينته وإلا تمت مصادرتها. وفيما بعد وكما علمت أحضر هذه الماكينة معه عند النزوح إلى شرق الأردن.
أذكر أنه كان دائم الحديث عن بيسان , وكنت أتصور بيسان كأني أراها , كانت بيسان كما كان يصفها هو وكما كان يصفها غيره , مدينة زاهرة , فيها كل وسائل المدنية , فقد كانت مضاءة بالكهرباء , فيها المقاهي والمطاعم والمحال التجارية والسيارات وهذا يكفي بمقاييس زمان , وذات مرة أخبرني بأنه خرج للسفر إلى مدينة أخرى ولعلها الخليل أو نابلس , وهناك شعر بالعطش الشديد , فطلب الماء من صاحب مقهى , فرد عليه صاحب المقهى بأن الماء لا يقدم إلا مع الشاي أو القهوة أي كان عليه أن يشتري الشاي مقابل شرب الماء , فقال لصاحب المقهى , إذا” أعطني كاسة من الشاي , فأحضر له بالفعل كاسة من الشاي ومعها كوبا” من الماء , فشرب الماء فقط ثم دفع الحساب.
كانت بيسان بحكم القرب من دير أبي سعيد , إضافة لكونها مدينة زاهرة , امتدادا” طبيعيا” لأراضي الكورة , كان الناس يذهبون إليها بشكل يومي , حتى أن بعضهم كان قد فتح محلا” تجاريا” هناك ومنهم المرحوم جدّي علي المدني , حيث كان قد فتح بقالة هناك بمشاركة أحد أهالي بيسان , وكان جدي المرحوم الحاج سلامة الحسين أول تاجر حبوب في المنطقة , وكانت محاصيل القمح والشعير والذرة وغيرها تورد له من مختلف مناطق الكورة ليرسلها بدوره إلى بيسان وكان من يرافق هذه القوافل بالغالب المرحوم خالي أحمد السلامة , قصص بيسان هذه كنت قد سمعتها من أصحابها أو ممن عاصرها وحفظتها من تللك الحقبة. ولدي الكثير من هذه القصص لو أوردتها لخرجت كثيرا” عن النص .
ورحم الله أيام زمان
عمر المدني قال:
يناير 18th, 2013 at 1:06 ص
الى الاخ السائل عن طريقة اضافة او حذف تعليق
للاسف انا المخول للدخول على المدونه للحذف فقط لا التعديل
وبامكانك الاشاره الى التعليق الذي تريد حذفه وانا ساقوم بذلك
لك تحياتي
عمر المدني
الى الاخوه المعلقين بعد التحيه
اشكركم كل الشكر على هذه التعليقات الطيبه والتي هي محط فخر واعتزاز بان هناك اناس ما زالوا يبحثون عن الاصاله في عالم لا يلبس اي قناع سوى الصفاء والنقاء ولايدهن من اي المساحيق الا تراب الارض
دمتم اعزاء واصدقاء
عمر المدني
الى الصديق الغالي ابي اسامه
اقتراحك بما يخص اسم مجهول وحذفه هو في بالي من زمان ولكن وصلت رساله الى ايميلي من احدهم بررت لماذا يكتب باسم مجهول واقتنعت بحجته
اتمنى من الاخرين ان يكتبوا الاسم بدل كلمة مجهول
ولك ابا اسامه اجمل التحيات
اخي وليد (ابن البلد)
حديث بيسان والدكتور الحلبوني ممتع جدا وهذه اول مرة اعرف هذه المعلومات بالرغم اني كنت اجلس عند ابو فوزي ولكن يبدو ان سني يومها لم يسمح لابي فوزي ان يحدثني عن امور قد لا افهمها وقتها
دمت بود
عمر