(ملاجىء حرب)…عمر المدني(الرشدان)…دير ابي سعيد
كتبهاعمر المدني ، في 6 كانون الأول 2010 الساعة: 14:05 م
ملاجىء حرب
لم يخلو بيت او حارة ، على الاقل ، من ملجأ ياوي اليه سكان الحارة القريبة والبعيده ، عند سماع صوت الانذار………. اوائل السبعينات ، وبالاخص عام ( 1973 ) ، كانت الطائرات تجوب الاجواء ، قاذفة صواريخها هناك، ورامية لهيبها هنا ، نافثة حمى غضبها في الاودية ، وعاصرة سخطها على الوهاد كانت موسيقى الحرب تملا المكان والزمان دون انقطاع.
سكان الحارة يتقاطرون الى اقرب ملجا ، حيث انه بر الامان من القصف الحقود ، ومحطة الخفاء من غدر العدو.
المختار المرحوم ابو علي، كان قد اعد العدة منذ الاربعينات ، وقام بحفر خندق واسع وانيق تحت بيته………. بدرجات مستطيلة الشكل ، تتهادى من سطح الارض الى بطنها كالحلق ، تفيض فجاة على باحة معتمة فسيحة ، نحتت من الصخر الطيني……… الملجا من الداخل ، كان دائري كقاع بئر روماني قديم، يتصل بملجا اخر من ناحية الغرب عبر سرداب حلزوني ضيق ، كان هذا السرداب خندق اتصال مخفي ، وكان انف الملجا الذي يتنفس منه..
في ثقوب الذاكره ، ما زالت بقايا صور ملتصقه في جلد التاريخ القديم…..كانت رائحة الملجا تختلف عن كل الروائح…….. تختلط انفاس البشر برائحة رطوبة الطين والحجر ، فتتصاعد رائحة يصعب تصنيفها وهي علامة مشتركة بين كل الملاجىء.
الحياة في الملاجىء ، تتخذ طابعا اقرب الى البساطة ، حيث تعلق سنن وقوانين المجتمع………………… الرجال يتكومون في جهة والنساء في جهة اخرى …………… بابور الكاز كان دائم الشخير، وهو يحمل فوق راسه ابريق شاي كبير ، كان الكاز المحترق المتفاعل مع رائحة الميرميه ، الممزوج مع رائحة الرطوبه والانفاس ، يطبع الجو بسمة عصية على النسيان ، ولكنها صعبة على التصنيف فتوحد الجميع على تسميتها ( رائحة الملجأ)…
تقضي الرجال على الوقت بالحديث والسمر على بقعة الضوء الصادرة من الشمعدان ، الجالس في كوة قدت من الصخر ، او من شمعة مرتكزة على جدار رطب……النساء كن ملفعات بالعتمه.
كان الحديث يطول ، لايقطعه الا صوت الانذار المتبوع بغارة هوجاء كالعاصفة المولوله…….ترفع الرجال ايديها الى الله ان يسلم………… النساء تطلق كلماتها في الظلمة ، وتكون مشفوعة احيانا ببكاء يتحول الى نحيب ، خاصة اولئك اللواتي لهن اولاد على الجبهة……تخرج الادعية وكلمات الاسترحام من فم الملجا وتطير الى السماء.
يهدا القصف ، فنتسلل صاعدين الدرجات الى الاعلى ، فتاتي اصوات تلحقنا من الاسفل ، وتكون متداخله " انزلوا……انزلوا…..لو شافك الطيار بنروح كلنا "..نعاند قليلا ثم نرضخ ونذعن للامر.
كانت حرب (73) قد اشتعل فتيل غضبها في رمضان ، وكنا نعيش طقوس السحور ، والافطار في قعر هذا الملاذ، الذي اتذكره بنوع من الفرحه ( لتعطيل المدارس) وبشيء من الحزن على قسوة الانسان ، وجهله بابجديات العيش..
في الهزيع الاخير من الليل ، كانت الطائرات تحط على مطاراتها لتتزود بالوقود او لشدة الظلمة التي تفقد الاهداف دقتها………نتسلل تحت جنح الظلام الى الشارع في قلب الحاره ……..يجتازنا المسحراتي " يا الله كم هي من صورة جميله محفورة في ذاكرتي" يلقي كلمة " مرحبا " ثم يامرنا ان نختبىء ، وبعد خطوات من ابتعاده وتلاشيه في العتمه وصوت طبله ، كنا نعود الى الوكر الدافىء..
الشمعدان يكابد الظلمه……..غرباء واقرباء يجمعهم الخوف على صحن سحور واحد ، وهناك ليس ببعيد نساء يهرجن بخجل…….ابريق الشاي يطوف بكرم على الكاسات العطشى ، معالق تغوص الى قلب الصحن ، بكاء اطفال اخافتهم العتمه ، فيحضرهم احد الصبيه الى بقعة الضوء فيهمدوا ويناموا….
تمر لحظات على الملجا يكون مطبق الصمت ، ومرات اخرى يكون اشباح بشر يصارعون الليل والخوف ، ويتعثرون بالاواني والصحون ، فتعلو ضجة وتاففات ، تعلن بدلالتها عن حرج الموقف.
كانت المؤن تخزن باحكام في حفرة جانبية في جدار الملجا ، وكانت تعليمات الكبار تتحول احيانا الى اوامر للاقتصاد بالمؤن، مبررين ذلك بان الحرب قد تطول…
فراش رطب ، مشمعات من اكياس نايلون تفرش تحت الصغار لان للرطوبة اثر على خاوة جهازهم البولي ، اوعية ماء ، جراكن ، اكياس ملابس
كان الملجا بيت كبير لبيوت كثيره ، جمعها الخوف ووحدها الهدف…
وحدنا الملجا ايام الضيق فمرحنا ، فما لنا اليوم في ايام الرخاء تفرقنا؟
هذه بقايا صورة…….. نفضت غبار الزمن عن وجهها الذي اصبح يتاكل مع هذا الزمن المتسارع بجنون………..ومهما يكن ، فقد كانت لحظات حلوة ، والا لما رسخت طول هذه السنين في ثغور الذاكره..
تمت
عمر المدني
صباح يوم الاحد
14/11/2010
الساعه 12:15من صباح يوم الاحد
ديسمبر 6th, 2010 at 2:49 م
اكثر من رائع
تبارك الله على هذه الكلمات الجميله
ديسمبر 6th, 2010 at 3:34 م
السلام عليكم
كيف بعدك بتذكر الملاجي يا استاذ عمر
يااااه على الدنيا
فعلا كان ايام مره وحلوه
ديسمبر 6th, 2010 at 3:43 م
ذكريات جميله جدا منك يا عمر وان لم الحقها
ديسمبر 6th, 2010 at 3:44 م
اعجبني انك كنت طفلا تحب العطله وتنسى الحرب
اغكار الطفوله روعه
ديسمبر 6th, 2010 at 3:48 م
كيف ترصد الاحداث بهذه الطريقه يا عمر
انت عجيب وغريب ورهيب
ديسمبر 6th, 2010 at 4:55 م
الاستاذ عمر الرشدان المحترم
ما شاء الله لا قوة الا بالله0 أبدعت أيها الفارس
((كان الملجأ بيت كبير لبيوت كثيره ، جمعها الخوف ووحدها الهدف…
وحدنا الملجأ أيام الضيق فمرحنا ، فما لنا اليوم في أيام الرخاء تفرقنا؟))
اذا الخلل فينا نحن البشر ليس في الماضي ولا في الحاضر ولا في الظروف
عندما نزيل الأقنعة عن الوجوه تحلو الحياة بماضيها وحاضرها ومستقبلها
اخي العزيز عمر
كثر الله من أمثالك وحفظك الله والى لقاء قريب
ديسمبر 6th, 2010 at 6:34 م
موضوع منسي منذ زمن طويللللللللل
ولكنه عاد الان كانه اليوم
وصف لا يوصف
عظيم اخ عمر
ديسمبر 6th, 2010 at 7:12 م
نعم عشت تلك الايام وكانت الى 95 بالميه كما وصفت
وهذا دايل على ذاكره طيبه
الى الامام
ديسمبر 6th, 2010 at 7:41 م
تسلم استاذ عمر
عدت لنا زمن بعيد جدا
اذكر الطيارات والملاجي
اذكر الفانوس داخله
اذكر الناس من كل جنس ونوع
ابدعت عمر
ديسمبر 6th, 2010 at 8:28 م
حتى ولو لم ادخلها الا ان وصفك لها وهذه الصوره تدل على ابداعك بالتذكر.
انت انسان طيب ومميز
ديسمبر 6th, 2010 at 8:29 م
كانه بعد الحرب ما ظل لهن وجود
ديسمبر 6th, 2010 at 8:30 م
رايح اسال بابا عن الملاجي وعن الحياة بداخلهم
ديسمبر 6th, 2010 at 9:21 م
اتذكر تلك الايام بوضوح وكان عندنا ملجا وله سرداب وفيه فراش واكل وشرب وزلم ونسولن وكل اللي قلته.
تكتب كانه الان صار
يا سلام شو انته فهمان وراقي
احسنت يا ابن الكوره
ديسمبر 6th, 2010 at 10:14 م
صوره كادت ان تتلاشى في مخي ولكنك اعدت لها الروح
ابدعت ايها الكاتب الجميل
ديسمبر 6th, 2010 at 10:50 م
الله عليك ابو الرشدان لما تشطح
فنان وحامل الكاميرا وبعرض لهالامه
مشكور يا عمر
ديسمبر 6th, 2010 at 11:25 م
مبدع جدا وذكريات مؤلمه وفيها كانت لمه جميله
ديسمبر 7th, 2010 at 12:06 ص
نعم انا لم احضر عام ال73 ولكني قرات عنها بالمدرسه ولمن يا عمر هذا درس افضل من كل دروس التاريخ بالمدرسه
ديسمبر 7th, 2010 at 12:07 ص
كان تفصيل دقيق ورائع بالاضافه الى الصورة التوضيحيه
معلم كبير
ديسمبر 7th, 2010 at 12:45 ص
كنا جيرانا للمعركه وكانت الملاجي تتعبا بالناس وصوت الحرب برا الملجا مخيف
اعدت لنا اياما رحلت من مده طويله
ديسمبر 7th, 2010 at 1:20 ص
” تقضي الرجال على الوقت بالحديث والسمر على بقعة الضوء الصادرة من الشمعدان ، الجالس في كوة قدت من الصخر ، او من شمعة مرتكزة على جدار رطب……النساء كن ملفعات بالعتمه.”
صورة بديعه من قلم بديع
ديسمبر 7th, 2010 at 1:59 ص
صوره معبره
ديسمبر 7th, 2010 at 2:00 ص
كبف يا عمر بعدك بتذكر الشمعدان والسرداب ورائحة الملجا؟
انت انسان رهيب
الله يوفقك لاهلك ولنا
ديسمبر 7th, 2010 at 2:01 ص
ايامك ماضي عليها قساوه يا عمر وتخزنت بعقلك لحتى ترجعها النا طازجه
ديسمبر 7th, 2010 at 4:20 م
اغبطك على هذه الثقافه الواسعه التي تعكس عقل متميز
انت ارشيف قيم يا استاد عمر
ديسمبر 7th, 2010 at 6:47 م
رائع عمي عمر كعادتك
وأتمنى منك ان تكتب مدونة عن سيارة المرسيدس(190)
التي كانت السيارة الوحيدة التي تقلنادون منافس
قبل الكوستر وما شابه شكرا على ارثك الثقافي الهائل
ديسمبر 7th, 2010 at 6:49 م
رائع السيد مالك مفلح في تعليقاته
ويدل عيى قدرة جيدة في التعبير
ديسمبر 7th, 2010 at 8:03 م
الله يعطيك العافيه على المقال هذا
تفاصيل جميله وذكريات اجمل
ديسمبر 7th, 2010 at 8:05 م
صحيح انه ذكرى جميله من طفل ولكنها مؤلمه
ديسمبر 7th, 2010 at 8:06 م
شو ذكرك بالملاجي يا عمر
ديسمبر 7th, 2010 at 9:06 م
Mi affascina, guidata O
ديسمبر 7th, 2010 at 9:06 م
تدهشني ايها الساحر
ديسمبر 7th, 2010 at 9:08 م
Tu vivi nel mio cuore
ديسمبر 7th, 2010 at 9:09 م
انت تسكن في جوارجي
ديسمبر 7th, 2010 at 9:10 م
Siete molto cool
ديسمبر 7th, 2010 at 9:11 م
Cuore
ديسمبر 7th, 2010 at 9:12 م
تصور انه هناك اهتمام بالتراث كما هنا
ما بكون عمر هو عمر لازم يكون شيء يستحقه
ديسمبر 7th, 2010 at 10:00 م
سلام ستبقى رائعا في كل شيء
الكلمات الى المهندس مالك الرشدان
ديسمبر 7th, 2010 at 10:06 م
كل الشكر للمعلقين الكرام الذين يثروا خيالي ويمنحوني الثقه:
المهندس مالك الرشدان
قمر
البلوشي
محجوب
فاتن
سجود
العاصفه
بسمه
ديسمبر 7th, 2010 at 10:08 م
هاجر
مجد
سيما
سوزان
وجميع المعليقين الذين اعرفهم او لا اعرفهم
ومجاهيل الاسم
ديسمبر 8th, 2010 at 9:14 ص
الاخ عمر المبدع
اذكر ايام الحرب والطائرات تقصف وصوت المدفع يضرب
بعنف كم كانت ايام مخيفة
الشجر والحجر كان يرتجف
كان الناس يركضون
كيوم القيامة
ايام سوداء
لا يوجد بها ولا
صورة جميلة
لقد ضربت الطائرات
باب الملجأ
واذكر انه استشهد احد
الشبان رحمة الله عليه
لقد احرقت الطائرات الاخضر واليابس
يلعن ابو اليهود
موت ياعمر
ادعوا الله
ان يعم نعمة الامن
والسلام على بلادنا
دمت بود يا عمر
ديسمبر 8th, 2010 at 3:10 م
الله يبعد عننا الحرب لانها حقيره
ديسمبر 8th, 2010 at 3:32 م
حتى دقيق ما يجري بالعتمه!!!!!
رائع عمر
ديسمبر 8th, 2010 at 5:20 م
والله يا رجل تسوى صحف الراي والدستور مع بعض بهذي الكلمات الانيقه
ما يهمني الملاجي
يهمني كلماتك الجميله
ديسمبر 8th, 2010 at 6:40 م
جعلتني انتظرك على احر من الجمر لارى مفاجاتك العجيبه
كلمات اعجز امامها عن الوصف
بالتوفيق والى مفاجاة اخرى رائعه
ديسمبر 8th, 2010 at 6:49 م
عوافي استاد عمر…
بهنيك على هذه الذاكره النشيطه والتي تسوغها بشكل ادبي طيب
ديسمبر 8th, 2010 at 6:51 م
الحقيقه انا والله بعرف مهرب للخطر في السعوديه عند الكوارث اما الملجا الاي تحدثت عنه فهذا جديد
ديسمبر 8th, 2010 at 6:53 م
اعتقد انه الان فيه سلام والحرب ولت والملاجي اظن ما لها وجود بالوقت الحالي
ديسمبر 8th, 2010 at 6:59 م
سلام عمر
تحفه اخرى من تحفك الرائعه
اتمنى ان تبقى هكذا بمقالاتك الصادقه
ديسمبر 8th, 2010 at 7:05 م
” في ثقوب الذاكره ، ما زالت بقايا صور ملتصقه في جلد التاريخ القديم…..كانت رائحة الملجا تختلف عن كل الروائح…….. تختلط انفاس البشر برائحة رطوبة الطين والحجر ، فتتصاعد رائحة يصعب تصنيفها وهي علامة مشتركة بين كل الملاجىء.”
تكفي عن قراءة كتاب كامل ادبي
ديسمبر 8th, 2010 at 7:07 م
“الحياة في الملاجىء ، تتخذ طابعا اقرب الى البساطة ، حيث تعلق سنن وقوانين المجتمع………………… الرجال يتكومون في جهة والنساء في جهة اخرى …………… بابور الكاز كان دائم الشخير، وهو يحمل فوق راسه ابريق شاي كبير ، كان الكاز المحترق المتفاعل مع رائحة الميرميه ، الممزوج مع رائحة الرطوبه والانفاس ، يطبع الجو بسمة عصية على النسيان ، ولكنها صعبة على التصنيف فتوحد الجميع على تسميتها ( رائحة الملجأ)…”
وهذا كتاب اخر في جمال الفن والادب والبلاغه
ديسمبر 8th, 2010 at 7:08 م
عمر بالله عليك شو انته؟
وكيف بتزورك هيك الافكار؟
بتسحر؟
بتتعامل بالسحر؟
شو القصه كل يوم رئعه كل يوم رائعه
اشغلتني كثيرا يا عمممممممرررررررررررررررررررررررر
ديسمبر 8th, 2010 at 7:14 م
عمر وما ادراك ما عمر
لو فقط استطيع ان اتكلم بصراحه………………..
لكني المصيبه اني بنت ولي ولد
ديسمبر 8th, 2010 at 8:28 م
سلام ايها المبدع الرائع
متالق دائما
بافرح وبالترح وبالتراث
ديسمبر 8th, 2010 at 8:28 م
ترسم الخوف مع الحزن مع الصبر بطريقه رائعه
ديسمبر 8th, 2010 at 8:29 م